في مفهوم الحداثة .وما معنى أن تكون حداثيا اليوم ؟
بقلم ـ إدريس الصالحي .
لقد بات سؤال الحداثة من أبرز إنشغالات مثقفي العالم الثالث ،نظرا لما تعرفه المجتمعات التقليدية من تناقضات حادة بين عنصري التقليد والمعاصرة ،ونتيجة الرغبة في الاجابة عن كثير من الاسئلة المطروحة والتي تبحث عن كيفيات الانفلات من الازمة.
وتؤشر عهود الحداثة على تحول نوعي في أسلوب الحياة ،تحول مس مختلف الميادين الاجتماعية منها والسياسية…والاكيد أن مثل هذا التحول لامعنى ولا قيمة له بدون الانسان ،هذا الذي تم رسم نظرة جديدة حوله ، تخالف الصورة التي درجت العهود السابقة الترويج له،إذ سيشغل مكانة محورية في الكون حيث سيصبح سيد نفسه وسيدآ على الطبيعة كمحصلة نهائية وهذه الصورة لن تكون متحققة إلا عبر فعل جوهري قوامه استخدام العقل باعتباره الجانب الجوهري في الانسان.
ولقد إنتهت جملة من الفلسفات التنويرية (ديكارت ـ كانط…..)إلى القول بان حقيقة الانسان تتعدى جسده وقوته العضلية لقترن بقدراته الواعية،فمن خلالها وعبرها سيطل على العالم بشكل عقلاني وعملي أيضا مستكشفا أسراره،سابرآ أغواره.
إن النظرة العقلانية مقترنة بعملية التحديث هي في نهاية المطاف نظرة ستخلص الانسان من مختلف التفسيرات الاسطورية والغيبية التي ثبت عمليا إفلاسها وعدم صوابها.
والاكيد أن الانتصار للغة العقل على حساب أشكال معرفية أخرى ،مكنت الانسان في النهاية من تثبيت مكانته وتأكيد سلطته على الاشياء.والاكيد كذلك أن النزوع العقلاني لايقتصر على حقل دون آخر ،إذا عرفت مختلف الحقول عملية عقلنة واسعة.هكذا فعملية التحديث التي مست الحقل السياسي مثلا ،كانت لتؤشر على لحظة تحول جذري غير مسبوق،على اعتبار أن الحداثة السياسية ترسم شكل جديد من العلاقات بين الحاكم والمحكوم،إذ تنضبط الى محددات قانونية يكون الدستور شكلها الاسمى…
إن عمل المؤسسات هنا يظل عملا يتجاوز الممارسات الفردية الاعتباطية والمزاجية في التسيير والتدبير…فلا مجال للحديث هنا عن إنفراد الحكم إذ الديمقراطية هي الشكل البديل الذي أرسته دعائم الحداثة،حيث أضحى الاتكاء على قواعد شفافة وواضحة متعاقد عليها لادارة الشان العام مع تحديد المسؤوليات ومجالات تدخل الفاعلين حتى تسهل المراقبة والتتبع وأيضا المحاسبة.
والاكيد أن ضمان حقوق المواطنين والمواطنات هنا لن يتأتى إلا بوجود قضاء مستقل حر ونزيه، يحتكم الى ضوابط قانونية محددة بدقة وتنطلق من الاقرار بالمساواة بين جميع المواطنين.
وفي مستوى آخر تشير عملية التحديث التي شهدها الحقل الاقتصادي إبان لحظة التحول نحو الحداثة الى استدخال عنصري الكفاءة والحساب الى داخل المنشاة الاقتصادية بعيدا عن كل اشكال التخبط والعشوائية في الادارة والتسيير بحثا عن الربح والنجاعة.
إن الحداثة إجمالا اليوم هي الشكل النقيض لمختلف الممارسات التقليدية اللاإنسانية المناقضة للعقل وقواعده المنطقية،إنها بالتالي عملية إستدخال العقل لمختلف مناحي الحياة التي تمكن الانسان من إكتساب إنسانيته .
