المسكوت عنه بالريش أو فوضى الساعات الإضافية بين هاجس الربح المادي وسؤال الجدوى البيداغوجية

آخر تحديث :
المسكوت عنه بالريش أو فوضى الساعات الإضافية بين هاجس الربح المادي وسؤال الجدوى البيداغوجية


ميدلت بريس ــ متابعة .
أقر فاعلون بميدان التربية والتعليم بمدينة الريش بوجود فوضى عارمة بمجال الدعم المدرسي، أو ما يعرف بالساعات الإضافية بالمدينة. ذلك الموضوع الذي أثار كثيرا من الجدال ولا زال يثيره في كل جهات المغرب. في هذا التقرير نستكشف عوالم مخفية من هذا “البيزنس”، ونلتقي بمتدخلين مختلفين، كل من وجهة نظره. قراءة طيبة…
مظاهر الفوضى:
نبدأ من أبرز تجليات هذه الفوضى، حسب تصريحات من التقينا بهم، والمتجلية في مزاحمة أساتذة القطاع العام لنظرائهم من الموجزين المعطلين، ضدا لمقتضيات القانون والمقرر الخاص بوزير التربية الوطنية الذي يمنع اشتغال رجال ونساء التعليم العمومي بالقطاع الخاص، ورغم هزالة العائد المادي الذي يجنونه من وراء ذلك مقارنة بالمدن الكبرى التي تعرف غلاء فاحشا في الأسعار.
بالإضافة إلى مزاحمة بعض مؤسسات التعليم الخاص لتلك المراكز المتخصصة في خدمات الدعم المدرسي المؤدى عنها، رغم أن القانون المنظم للأولى يمنعها من مزاولة أي نشاط آخر غير النشاط المرخص لها به والمتمثل في التعليم الأساسي الأولي أو الابتدائي أو الثانوي أو التكوين المهني الخاص. أما المراكز الشبه سرية والغير مرخص لها فهي كالفطر، في تزايد ملفت. بحيث تنبث في كل أنحاء المدينة. فتجد التلاميذ تائهين بين بيوت سكنية يتقاسمون غرفها مع أبناء أساتذتهم، ومحلات لا تتوفر فيها أبسط الشروط، مع كل ما يتهددهم من مخاطر جراء ذلك.
كما يطرح سؤال عريض حول الصيغة التي تمارس بها بعض الجمعيات لهذا النشاط الربحي. حيث تُجهل الكيفية التي تتصرف بها بعض هذه الجمعيات في الربح الذي تجنيه. فمنها من يتقاسمه أعضاؤها فيما بينهم، في خرق واضح للقانون المنظم للجمعيات. ومنها من لا يحتاج لذلك أصلا، لكون مؤسسيها ليسوا سوى تجار الساعات الإضافية يتسترون وراء قانون الجمعيات للتهرب من أداء الضرائب ومن متاهات الحصول على التراخيص.
المتضرر الأكبر من هذه الفوضى هم المعطلون الحاصلون على شهادات، والذين بدورهم يشتكون من استغلال المدارس الخاصة لهم وتشغيلهم برواتب هزيلة جدا رغم أنها تحقق أرباحا خيالية، على حد تعبير أحد قدماء الموجزين المعطلين والمعروفين بهذا المجال بالمدينة. بالإضافة لمنافسة أساتذة الدولة لهم وحرمانهم من مصدر رزق، على هزالته، إلا أنه يخفف عليهم معانات البطالة.
زد على كل ما سبق، جهل كثير من الآباء والأمهات بالجدوى البيداغوجية للساعات الإضافية. بحيث يعتبرونها كواجب مفروض وفقط. ولا يسألون عن توفر شروط السلامة الجسدية والنفسية والتربوية لأبنائهم، ولا عن مدى مراقبة تلك المراكز لالتزام تلامذتهم بالحضور والمغادرة في الوقت المحدد، خصوصا وأن التوقيت يكون في الغالب ليلا. كما لا يهتمون لمدى استفادة أبنائهم من تلك الساعات بيداغوجيا. وكل ما يهمهم هو إحساسهم بأداء الواجب تجاه تعلم أبنائهم. فتجد الأب يعتقد أن مسؤوليته انتهت بأداء مبلغ مالي كل شهر !!
غياب الجدوى البيداغوجية :
فتظل الجدوى البيداغوجية، الغائب الأكبر في حسابات جل المتدخلين. ولعلنا في هذه الفقرة نبسط عددا من المظاهر التي تؤكد ذلك. أولها، تلك الجريمة التربوية والأخلاقية التي يتجرأ بعض الأساتذة من عديمي الضمير على ارتكابها. بحيث يعرضون خدماتهم المؤدى عنها على التلاميذ المتمدرسين لديهم بالمؤسسات الرسمية التي يشتغلون بها، في خرق تام لمبدأ تساوي الفرص وفي انتهاك خارق لحقوق التلاميذ في الاستفادة من وقت ومجهود أستاذهم الذي وفرته لهم الدولة وتؤدي له راتبه من أموال دافعي الضرائب.

فبأي وجه يقابل هذا الأستاذ تلامذته كل يوم في القسم وهو يرى مستوى بعضهم في تقدم على حساب آخرين منعهم عوزهم من القيام بما قام به زملاؤهم؟ أولا يعتبر هذا الأمر ابتزازا واضحا للتلاميذ؟ أولا يدفع هذا الأمر كثيرا من التلاميذ لحضور هذه الدروس فقط من أجل تفادي غضب أستاذهم وتمييزه لهم داخل القسم؟
ثاني هذه المظاهر، ذلك الاكتظاظ الذي يعرفه بعض أقسام الدعم المدرسي. حيث يقوم الأستاذ خلالها بتكرار للدروس التي تلقاها التلاميذ بالقسم الرسمي وحل بعض التمارين وحسب. علما أن هؤلاء التلاميذ آتون من أقسام مختلفة ومؤسسات مختلفة ومستوياتهم متفاوتة ونقط ضعفهم متباينة. الشيء الذي يتناقض ومبدأ الدعم المدرسي الذي ينبني على التلميذ وليس على القسم. فالتلميذ الذي تابع الدرس في قسمه الرسمي، وراجع دروسه في بيته، قد يحصل أن يجد صعوبات في بعض الفقرات أو بعض الدروس فيلتجئ لأستاذ في الدعم المدرسي ليستخرج أولا نقط ضعفه وليعمل ثانيا على تصحيحها. الأمر الذي يتطلب الاشتغال بمجموعات محدودة وبمستويات متقاربة جدا.
وتتجلى المعضلة الأكبر، حسب متخصصين في التربية، في الواجب المنزلي الذي يكلف به الأستاذ تلامذته كل يوم لكي يختبر، أولا، مستواهم ولكي يحثهم، ثانيا، على الاستعداد للدرس المقبل. فتجد أساتذة الدعم المدرسي يستغلون تلك الحاجة لدى التلاميذ فيعطونهم حلول تلك التمارين بدون شرح وبدون ترك الفرصة للتلاميذ للتمرن على إيجادها بأنفسهم. فيحصل أن يتعلق التلاميذ بهذا الأستاذ الذي يسهل عليهم حياتهم، مما يجعل الآباء الجاهلين بأسس التعليم أو المتغافلين عنها، يعتبرون هذا الأستاذ الأنسب والأكفأ. فتزيد شهرته ويكثر الطلب عليه. في حين أن الأمر لا يعدو أن يكون نوعا من الغش والتحايل الذي لا تظهر نتائجه إلا في نهاية السنة.
أسئلة حارقة:
فالدعم المدرسي لديه أسسه ومقوماته وطرقه. ولا يمكن التلاعب به أو جعله فقط تجارة مربحة من دون النظر إلى جوانب أخلاقية وتربوية وإنسانية ووطنية كذلك. فالمقولة الشهيرة: “كاد المعلم أن يكون رسولا” لم تعد تعني كثيرا لدى بعض من يمتهن أشرف وأنبل مهنة. ألا وهي، مهنة التربية والتعليم.
من هنا نطرح مجموعة من التساؤلات، كما جاءت على لسان المستجوبين:
– من المسئول على الحرص على تنفيذ القانون؟ وأينه مما يقع من خرق لهذا القانون؟
– في مدينة صغيرة كمدينة الريش، حيث المعيشة رخيصة نسبيا وموظفو الدولة في غالبيتهم مرتاحون ماديا، لماذا لا يخجلون من مزاحمة المعطلين على فتات الدروس الخصوصية؟
– إن كان القانون يعطيهم حق طلب الترخيص للاشتغال بالقطاع الخاص لساعات محدودة. فهل كل الأساتذة الممارسين للساعات الإضافية اليوم حاصلون على هذه الرخص؟ في حالة الإيجاب، هل تجيز لهم هذه التراخيص الاشتغال بالدعم المدرسي أم فقط التعليم الأساسي؟ إن كانت تجيزها لهم ففي أي مؤسسة؟ أم أنها تجيزها لهم حتى في بيوتهم السكنية؟
– ألا يستحق المعطلون الذين يضحون بكثير من وقتهم ولا يطلبون دعما من أي جهة، أن يفسح لهم المجال ويمكنوا بشكل قانوني ومنظم من الاستفادة من هذا النشاط وأن يفيدوا قطاع التربية في نفس الوقت؟
– أين برنامج الدعم المدرسي الذي أطلقته الوزارة؟ أليس لهم منه نصيب؟

الاخبار العاجلة