إعدام أشجار الصفصاف بتاشويت

ميدلت بريس – د.ع.ع.

إجهاز على ما تبقى من الموروث الطبيعي للمدينة

   في الوقت الذي نثمن فيه ذلك السعي الحثيث الذي انخرطت فيه بعض الجمعيات النشطة في المدينة، وبإمكانات متواضعة تحتاج إلى المزيد من الدعم، بالنظر إلى مشروعها البيئي الكبير، لتخفيف الضرر البالغ الذي لحق النظام الطبيعي بالمدينة وبمحيطها، يتعرض ما تبقى من الموروث البيئي بتاشويت لاستنزاف يهدد الجهود المتميزة التي يبذلها هؤلاء من أجل انتشال المدينة من براثين الأسمنت والزجاج. 

   أهالي المدينة الذين يستضمرون تاريخها عن كثب، يعلمون يقينا أن منطقة تاشويت كانت خلال سنوات مضت تشكل نظاما بيئيا متجانسا له صلة وثيقة بالذاكرة الجمعية المحلية. منطقة كانت بالأمس القريب مرتعا للشباب، ومهدا طبيعيا استنبت الكتاب والأدباء والصحفيين، وغيرهم ممن يدينون بنجاحهم إلى مروجها. وتلك خواطرهم ورموز أسمائهم لا زالت تقاوم الزمن على لحاء ما تبقى من شجر الصفصاف، الذي يقف شاهدا على لذة خلس الصغر وعلى حكمة التحام الذات بالطبيعة، ويصدح بقناعات وجودية قدحت في الأذهان في لحظة عزلة اختيارية.

   لكن من يزور المنطقة منهم، خاصة جنبات الوادي، بعد انقطاع وصله بها، سيقف على هول المنظر: أرض جرز تعدم أشجار الصفصاف فيها تباعا حتى أصبحت منطقة  “ la jungle”  خاوية على عروشها، وكأنها لم تغن بالأمس. مشهد بشع زاده منظر الجفاف سماجة وقد حزت فيه أشجار لا زال نسغ الحياة يجري في جذورها. ليتحول المكان الذي كان بالأمس القريب روضة حافلة، صعيدا زلقا تحتله الغربان بشكل مخيف، في منظر كئيب لم يعد يسر من ينظر إليه.

   إن المقارنة بين الصورة الذهنية التي تحتفظ بها الذاكرة الجماعية لأجيال عديدة عن التنوع النباتي لوادي تاشويت، والواقع البئيس الذي أضحت عليه، ستؤكد دون مراء أن الحاجة أصبحت ملحة للتدخل الفوري، كل حسب اختصاصه ودائرة سلطته ونفوذه، لإنقاذ ما تبقى من هذه الأشجار باعتبارها ملكا عموميا، وحث الجناة على تعويض ما طالته أيديهم. كما يتعين العمل على وقف زحف البناء في اتجاه الوادي، ودعم الجهود الميدانية للجمعيات المعنية، بالاستثمار في إشاعة الثقافة البيئية، كرهان لتعديل السلوك والمواقف تجاه النبت عموما، خصوصا وأننا بلغنا مرحلة متقدمة من الاستهتار تجعل المرء يضحي بنظام بيئي برمته لأغراض شخصية، دون أدنى مراعاة لحقوق الآخرين، ولو في شبر من الظل يقيهم قيظ الصيف وحرارته.