“ميبلادن”: ذكريات ايخلف (ج2)
آخر تحديث : الخميس 7 أبريل 2016 - 9:53 مساءً

نعيمي عبد العزيز
تأليف: د. محمد مهيب
ترجمة: ذ. عبد العزيز نعيمي
رأى ايخلف مرة أخرى قافلة من البغال، وقت الفيضانات العنيفة لواد ملوية، محملة بالمؤونة وهي تعبر القمم الصخرية بين ميبلادن و أحولي، تذكر كيف كان “تضامن الناس و سخاؤهم يحولان دون إحساس المتضررين لا بالجوع ولا بالبرد”، في حين أن فيضان ميدلت بالأمس لم يحرك أحدا، حسب “البلدي”، رغم فضاعة الخسائر.

رأى نفسه مرة أخرى بالفناء الخارجي لمقهى ميبلادن، جالسا أمام فنجانه من القهوة قبالة منظر خلاب لجبلي العياشي ومعسكر تكسوهما الثلوج تحت أشعة الشمس الساطعة. ثم رأى مرة أخرى، وهو في حالة انتشاء، “الأحيدوس” الكبير الذي نظم بمناسبة استقلال المغرب، حيث رقص عمال أيت ازدك، أيت سغروشن، أيت وافلا، بني مكيلد، أولاد خاوة و فيلالا كل حسب إيقاع قبيلته، كانت اللوحة في منتهى الروعة.
زج به ثقل الذكريات إلى فترة النضال حيث كان العمل النقابي أمرا صعبا جدا، لأن العمال لم يكونوا واعين بوضع الاستعباد المفروض عليهم ولا يعرفون أنهم محتقرون و مهانون، لأن كل ما كان يشغل بالهم هو الخبز اليومي.
كان ايخلف و أصدقاؤه الخمسة يجدون صعوبة في حشد العناصر المؤثرة في القبائل المكونة للنسيج العمالي بالمنجم، لأن القبيلة هي صاحبة الكلمة العليا في إنجاح الإضرابات التي تخاض من أجل تحسين الأوضاع المعيشية للعمال. ثم سحب الدخان من عقب سيجارته محدثا نفسه:” أليست حماقة أن تدفع العمال إلى شيء لم يطلبوه؟
لكن ايخلف كان فخورا بما أنجزه .
لقد تم الإضراب، و جمد المنجمين لعدة أيام، غير أنه لم يتحسن أي شيء.
اليوم يتقاضى ايخلف من شركة التأمين معاشا لا قيمة له: بحيث هاهو ذا محكوم عليه أن يعيش بئيسا على كرسيه المتحرك لولا وجود زوجته و بنته بالقرب منه و اللتان تحيطانه بكل حبهما…
… لازال ايخلف يتذكر دائما أصدقاءه الذين قضوا خلال حوادث الشغل أو نتيجة إصابتهم بالمرض المهني الشنيع : “السيليكوز”. سحب الدخان من آخر عقب سيجارته، نافثا سحابة سوداء وهو يحدث نفسه: “حقبة حزينة أكثر من نظيرتها اليوم! يا الله ، أين الأصدقاء الحقيقيين، أين الأرانب و الحجل الكثيربمنطقة ميدلت، أين أمطار و ثلوج زمان؟
نظر ايخلف إلى ساعته وقفز من مكانه عندما وجدها تشير إلى الخامسة صباحا، تعكر مزاجه بسبب هذه النوبة الناجمة عن حنينه إلى الماضي، ثم ارتمى على سريره.